تعد قضية المرأة موضوعا للشد والجذب بين الأطياف الفكرية المختلفة، ولكن الذي يجول في الخاطر ما هي طبيعة هذه القضية؟ وما دوافعها؟ وما هي حقوقها المهضومة؟ وهل هناك مدى لهذه الحقوق؟ ومن أول من طالب بأن تكون لها حقوق؟
بداية نرى أنه في غير الشريعة الإسلامية لم يجد شيئا من حقوق المرأة إلا في القرن ال19 حيث أصبح لها قضية في العالم الغربي ازدادت حدتها بعد الحرب العالمية , إذ لم يكن لها الحق في التعليم ولا في الأرث ولا في التملّك، كما أن كل ما تملكه هو حق لولي أمرها أو زوجها.
وقد ظل الأمر كذلك إلى أن حدثت الثورة الصناعية و ظهرت الحاجة إلى العمالة الرخيصة فاتجهت أنظار أصحاب العمل إلى النساء في مقابل الرجال الذين ترددوا كثيرا في إرسال بناتهم و زوجاتهم، فأطلق المحتاجون للعمالة الرخيصة أبواقهم الإعلامية التي تنادي بحرية المرأة.
كما سعى أرباب العمل إلى المساهمة في وضع قانون عام 1882ف الذي حصلت بموجبه على بعض الامتيازات مثل حقها في الاحتفاظ بالمال الذي تحصل عليه. ومن هنا بدأت الشرارة الأم في إيقاظ قضية المرأة تلتها بعد ذلك رغبتها في مساواتها بالرجل في الأجر.
ولكن على الرغم من اعتراف الولايات المتحدة بحقوق الإنسان كاملة لكنها لم تساوي بينهما إلا سنة 1920ف، حيث أشار الاعتراف إلى عدم التميز بينهما، دون التصريح بالمساواة. وفي أعقاب هذه المصادقة ظهرت الحركات التي تدعو إلى المساواة بينهما.
وقد أشير إلى ذلك لأول مرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عن الأمم المتحدة 1948ف. وقبل هذا الإعلان كانت هناك بعض الاتفاقيات التي منها اتفاقية لاهاي 1902ف. حول القوانين المتعلقة بالزواج والطلاق والوصاية على القاصرين.
وقد كانت أخر هذه الاتفاقيات اتفاقية منظمة العفو الدولية التي حملت شعار "أوقفوا العنف ضد المرأة "في مارس2004ف هادفة من ذلك إلى ضمان اعتماد قوانين وسياسات تضع حدا للتميز والعنف ضد المرأة.
وعلى هذا فإن قضية تحرر المرأة تختزن كل تحولات الخارطة الاجتماعية الغربية، والأمر الذي يزيد من تأكيد هذا الرأي الملف الخاص الذي أصدرته مجلة الأكونومست اللندنية هذه السنة إذ سيطر المنهاج الغربي على تناول القضية أخذا في الاعتبار أن منظومة القيم الغربية هي المعيار الأوحد لحقوق المرأة،
متجاهلا كل قيم ومبادئ وعقيدة وحضارة الآخرين، لذا وفي إطار اعتزاز أسبانيا بقيمها وحضارتها قال معهد المرأة في مدريد أن مشكلة حقوق المرأة التي تحاول الولايات المتحدة فرضها على العالم هي مشكلة غربية لا أكثر وأن المرأة الغربية ليست هي المرأة النموذجية.
وإذ كنت أتضامن مع الذي ذهب إليه معهد مدريد فإن هذا لا يعني أن المرأة العربية لا تعاني شيئا ولكن ليس ما تعانيه المرأة الغربية، كما أنه يدفعني إلى رفض بعض مؤتمرات المرأة التي تتهجم على تعاليم الإسلام.
ولعل الذي أتاح لهم هذا الهجوم هو جري البعض وراء الحضارة الغربية دون أن تكون له أدوات كافية للتعامل معها فبدلا من الدفاع عن المرأة المسلمة انساقوا وراء فكرة تحريرها قياسا بحرية المرأة الغربية.
كذلك غياب المفكرين الإسلاميين والدعاة عن هذه المؤتمرات الأمر الذي أدى في النهاية إلى اتهام الإسلام ظلما بمصادرة حرية المرأة؛ وبذلك اعتبرت المرأة المسلمة هي مشكلة المرأة في العالم فكان مؤتمر القاهرة 1994ف وبكين1995ف موّجه لتحرير المرأة المسلمة. . ! ! !
ولكن يظل السؤال قائما. . تحريرها من ماذا؟
إن الثقل الحقيقي والقيد الضيق الذي يجب أن تحرر منه العربية والليبية خاصة هو وقوفها حائرة بين أدعية الغرب وتقاليد المجتمع الإسلامية، إذ كل الذي يلزمها هو تحرر عقلها من تلك الأفكار البالية التي لا أساس لها من الصحة في واقعنا؛ ذلك أن المنهج الإسلامي الذي نسير على خطاه قد أعطاها كل حقوقها.
ومنها حق التعلم والعمل والتجارة والتعبير عن الرأي وحق الإرث والتملك المعاملة، كما جعلها مكلفة بواجبات شأنها في ذلك شأن الرجل؛ ولكن المنهج الإسلامي يختلف عن أدعية الغرب في أنه رسم دور كل منهما بما يتوافق وطبيعته؛ وبذلك فإن المساواة في الإسلام ترادف العدل بينما في الغرب ترادف التشابه.
مغفلة طبيعة المرأة وهذا عينه ظلم لها و للمجتمع ذلك أن الحرية المطلقة هي الوجه الحقيقي للفوضى، ولذا فإن هذه الأطر والضوابط التي تضمن الحرية لا ضمان لتنفيذها إلا بترسيخ التربية الإسلامية في النفوس وجعلها وازعا أقوى من ضوابط القوانين التي يمكن التحايل عليها بشكل أو بأخر، وفي ظل هذه التربية ظهرت نماذج نسائية عظيمة في المجالات كافة في التاريخ الإسلامي.
أما اليوم وفي الجماهيرية إذ أرفض النموذج الغربي للمرأة المتحررة فذلك لأن المرأة الليبية حظيت بحريتها من جانبين، جانب التشريع الإسلامي وجانب القوانين الوضعية إذ يبيح التشريع الليبي لها العمل في المجالات كافة ويعطيها الحق في تولي الوظائف العامة في الدولة وممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية والفكرية هذا على الصعيد النظري.
أما على الصعيد التطبيقي فقد شاركت المرأة بفاعلية في العديد من المجالات مثل التعليم و الإدارة والصحة و البحث العلمي والخدمات الاجتماعية والمؤسسات الإنتاجية والخدمات الوطنية و الأمن الشعبي والمؤتمرات الشعبية والروابط المهنية في القضاء و السلك السياسي.
ومن هذا المنطلق يمكنني القول أن الرجل الليبي قد تعامل معها باعتبارها كائنا له دوره في المجتمع وتقبلها في جميع أحوالها، أما ما قد يشاع بأنه لا يقبلها بوصفها مرؤوس فيه نظر؛ ذلك أن الرفض وعدم التقبل لا يعود لكونها أنثى بل لشخصها.
مستندين في هذا الرأي لاحتلال العديد منهن لمناصب قيادية انصاع فيها الرجل لها ليس بوصفها أنثى بل مرؤوسته في العمل، كما أن عدم وجود نساء في بعض الوظائف لا يعني بالضرورة أن الوظيفة محظورة عليها بل أن الأمر يعود لإحجام المرأة نفسها.
وعلى هذا فإن المرأة و الرجل متساويان في حقوق العمل الذي يكون البقاء فيه للأصلح لا للنوع إذ لسنا في مجال إثبات تفوق جنس على آخر ولكن في ظل العولمة التي سيطرت على كل شيء نحن أمام إثبات جدارة في العمل لمواجهة الآخر.
و إذا كنت عزيزي القارئ لازلت تصر على أن للمرأة قضية فلا جدل مني في ذلك.
الكاتب: حنان شلوفحنان شلوف
المصدر: موقع الصفاء للصحة النفسية